مدن العالم ليست جاهزة لتداعيات تغيرات المناخ

شبوة اليوم /متابعات

إذا ما فكرت في التغير المناخي، فستقفز في عقلك دائماً صور ذوبان القمم الجليدية، وجفاف السهول، وحرائق الغابات، وغرق الجزر الاستوائية. وواقع الأمور يقول إن تداعيات درجات الحرارة المرتفعة لا تطال المناطق النائية فقط، فقد سلط تقرير صدر هذا الأسبوع بتكليف من عمدة لندن الضوء على احتمال «ارتفاع حدة وتواتر موجات الحرارة العالية، والأمطار الغزيرة، والفيضانات المفاجئة، وارتفاع مستويات المياه في البحار»، وهذا نذير بتعرض مختلف المدن حول العالم لخطر محدق وداهم، بينما تشكل هذه المدن مركزاً لما يربو على 80 % من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم ولمعيشة أغلب سكان كوكب الأرض، كما أن أغلب الموانئ الحضرية، بما فيها تلك التي تطل على السواحل الشرقية والغربية الأمريكية، معرضة لمخاطر الغرق في قادم العقود. وكان مؤشر المدن المتأثرة بظاهرة التغير المناخي الذي طورته منصة نيستبك، وهي عبارة عن منصة للإيجارات حول العالم، قد وضع قائمة بالمدن ذات المداخيل المرتفعة والمنخفضة، المعرضة لمخاطر الأضرار الناجمة عن ارتفاع مستويات المياه في البحار. وجاءت مدينة بانكوك على رأس القائمة، حيث توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية احتمال تعرض أكثر من 5 ملايين شخص من سكان هذه المدينة لمخاطر الفيضانات بحلول العام 2070، كما جاءت مدن مثل أمستردام بهولندا وشينغن بالصين ضمن الـ10 مراكز الأولى على المؤشر، مع الوضع في الاعتبار أن المدن الساحلية لن تواجه مثل هذه التحديات وحدها، فالعديد من المدن الواقعة على ضفاف الأنهار، مثل: باريس، والقاهرة، ونيودلهي معرضة لخطر الفيضانات هي الأخرى، في حين أن المدن البعيدة عن تدفقات المياه معرضة لخطر الجفاف، ومن أمثلتها: فينيكس، وبرازيليا، ومكسيكو سيتي. وتشير التوقعات إلى زيادة عدد المدن المعرضة لموجات ارتفاع درجات الحرارة بواقع ثلاثة أضعاف تقريباً بحلول عام 2030، ومن المتوقع أيضاً زيادة كثافة وتكرار الظواهر الجوية المتطرفة. والكلفة التي ستخلفها هذه الظواهر على الأرواح والممتلكات ستكون باهظة للغاية. وعلى الجانب الآخر، يستمر الزحف العمراني في الدول الأفريقية والآسيوية، التي تتميز بالفئات العمرية الشابة وسرعة معدلات النمو، دونما انقطاع أو هوادة، وهذا سيعرض الملايين من سكان المدن الفقيرة بشكل مباشر لخطر الفيضانات والإنهاك الحراري والمجاعات. من ناحية أخرى، قد يتفاقم الأثر الناتج عن ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، حيث تميل درجة حرارة المدن نحو الارتفاع بسبب الاحتباس الحراري والانبعاثات الناتجة عن المباني، في ظل اتساع الرقعة السكانية وزيادة ونمو الأنشطة الاقتصادية. وتواجه المراكز التجارية، وناطحات السحاب، والمصانع في نطاق المراكز الحضرية خطر التحول إلى مناطق غير قابلة للمعيشة. ووفق شبكة «سي فورتي»، التي تضم رؤساء بلديات ومدن، فإن ظواهر مثل الجفاف والفيضانات المرتبطة بالمناخ قد تكلف أكبر المدن في العالم نحو 194 مليار دولار سنوياً. وإذا وضعنا في الاعتبار أن مستهدف اتفاقية باريس للمناخ بشأن خفض ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، أو إلى أقل من درجتين مئويتين بقدر طفيف، يصبح صعب المنال، فإن هذا يثقل كاهل المدن ويدفعها نحو اتخاذ خطوات تغيير تدريجية نحو التأقلم والمرونة. وقد سلكت بعض المدن ذلك الطريق بشكل فعلي. وفي أحلك الظروف والسيناريوهات، تخطط الحكومة الإندونيسية للتخلي عن العاصمة جاكرتا التي يقع 40 بالمئة من مساحتها حالياً تحت سطح البحر، والانتقال إلى عاصمة جديدة على بعد أكثر من 1000 كم من العاصمة التاريخية للبلاد. وشرعت مدن أخرى في التشجير والتخضير عن طريق الإكثار من الحدائق والمتنزهات، والتي تساعد على تلطيف حرارة المساحات الحضرية وتحد من مخاطر الفيضانات. على الجانب الآخر، هناك الكثير من المدن التي لم تتخذ إجراءات كافية في هذا السياق. وقد أشار التقرير المعني بمدينة لندن إلى أن العاصمة «غير مستعدة» للتعامل مع آثار تغير المناخ. وفي كثير من الأحيان، يعد تخضير البنية الأساسية القديمة وتعديلها في التكتلات الحضرية الكثيفة من الأمور المعقدة والمعطلة والمكلفة. وللتعامل على نحو أفضل مع هذا الأمر، يجب على المزيد من المدن بادئ ذي بدء وضع خطط استراتيجية للتكيف مع الظاهرة، أما عن قواعد التخطيط فقد تحتاج إلى بعض الإصلاح، وستحتاج المناطق والأقاليم المحلية إلى مصادر الطاقة والموارد لتكييف مدنها، كما يجب زيادة الاستثمار في وسائل وسبل مواجهة الفيضانات، وحلول هندسة الأراضي والتكنولوجيا الخضراء. ويمكن لجهات الإقراض الإقليمية ومتعددة الأطراف تقديم الدعم المالي للمدن في البلدان النامية. وهناك أيضاً تحديات سياسية على الساحة، ويمكن النظر إلى تعزيز قدرة المدن على الصمود على أنه وسيلة لتحويل الأموال من المناطق المحتاجة إلى سكان المناطق الغنية. وهناك قطاع عريض من سكان المناطق الحضرية قد يرفض سبل تكييف البنية التحتية، ومع ذلك من الأهمية الكبرى بمكان أن تجد الحكومات الوطنية والمحلية طريقها نحو التغلب على ما تواجهه هذه القضية من صعوبات وتحديات لا تعد ولا تحصى، وإلا فإن مناطق القوة الاقتصادية الحضرية ستخور وتتداعى بسبب ما تلاقيه من ضغوط متزايدة، فضلاً عن مضاعفة المشاكل التي تواجهها في هذا المسار.