من شبوة إلى الحديدة.. تلوث نفطي يهدد اليمن تسرب النفط في وادي غرير مديرية الروضة
التلوث في شبوة شمل مساحات شاسعة في مناطق السهول وأجزاء الصحراء وطفت برك النفط على السطح داخل أراضي المحاصيل الزراعية وصل الانسكاب النفطي إلى مصادر المياه الجوفية حيث غمرت عدداً من الآبار بالنفط الخام طيلة الشهور الماضية من العام الفائت 2020، تعرضت مديريتي الروضة وحبان بشبوة لتلوث نفطي خطير، بسبب تلف أنبوب إمداد النفط حدوث كارثة تلوث على سواحل اليمن من ناقلة النفط صافر يعرض السكان لصدمات صحية غير متوقعة في ظل انهيار 50% من المرافق الطبية التي دمرتها الحرب حلم أخضر: في تشرين الثاني/نوفمبر 2010، تعرضت محافظة شبوة الواقعة وسط الجزء الجنوبي لليمن، لتلوث نفطي لأول مرة في منطقة كيلو 31 الشبيكة بمديرية عتق. ومنذ ذلك الوقت، توالت عشرات الكوارث البيئية جراء التسربات النفطية المتكررة، والتي تضررت منها 6 مديريات داخل المحافظة. طيلة الشهور الماضية من العام الفائت 2020، تعرضت مديريتي الروضة وحبان بشبوة لتلوث نفطي خطير، بسبب تلف أنبوب إمداد النفط، الذي يربط حقول الإنتاج في منطقة غرب عياد بخزانات التصدير في النشيمة، الذي تملكه وتديره الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية- وهي شركة حكومية يمنية. وفي الأسبوع الفائت، زارت كاميرا حلم أخضر، المناطق المتضررة من النفط في وادي تمورة، ووادي غرير بمديرية الروضة في شبوة، حيث أضحت الكارثة البيئية تهدد مستقبل السكان المحليين. تلوثت مساحات شاسعة ببقع الزيت في مناطق السهول وأجزاء الصحراء، وطفت برك النفط على السطح داخل أراضي المحاصيل الزراعية، ووصل الانسكاب النفطي إلى مصادر المياه الجوفية، حيث غمرت عدداً من الآبار بالنفط الخام. التلوث النفطي يهدد سكان شبوة تبلغ مساحة محافظة شبوة حوالي 47,584 كم2. وهي تنقسم إلى 17 مديرية، تعد الزراعة والفلاحة وتربية النحل وصيد الأسماك من أهم الأنشطة الرئيسة لسكان المحافظة. خلال الشهور الـ 11 الماضية، لم يجد المتضررون في منطقتي تمورة، ووادي غرير، بمديرية الروضة، استجابة أو حلول من الجهة المتسببة بالضرر، بما يخفف معاناتهم من تلوث التربة الزراعية بالنفط في وادي غرير شبوة، حلم أخضرـ تصوير/ عمار نميش التلوث النفطي الذي يحاصر المنطقة. يقول محمد حبتور، أحد سكان وادي غرير بمديرية الروضة المتضررة من الكارثة، لـ “حلم أخضر”: “في أبريل 2020، بدأ تسرب النفط في وادي غرير، وقد أثر بشكل كبير على الزراعة في هذه المنطقة، ومنذ ذلك الحين لا يزال التسرب إلى اليوم مستمراً”. “قبل 11 شهراً، زار المنطقة المتضررة وزير النفط وعدد من مسؤولي الحكومة، وشاهدوا حجم التسرب النفطي، ووعدوا السكان بعمل حلول؛ لكن لم يتغير شيء حتى الآن”. قال حبتور. تسرب النفط وحالات السرطان يؤكد مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة شبوة، محمد سالم مجور، أن هناك تأثيرات كبيرة بسبب التلوث النفطي في منطقة الغرير (غرير السعيد) في هذه الأيام بسبب الأنبوب النفطي الممتد من منطقة عياد إلى النشمية. وفي مقابلة خاصة مع حلم أخضر، قال محمد مجور: “أدى تهالك هذا الأنبوب وتسرب النفط إلى تلف التربة الزراعية، وتدهور الزراعة بشكل عام في المنطقة. كما أثرت الكارثة على مصادر المياه ومياه الشرب، التي يعتمد عليها المواطنون. توجد أكثر الآبار في بطون الأودية التي تتعرض لتسربات نفطية”. “في الآونة الأخيرة تزايدت أعداد حالات الإصابة بالسرطانات وأمراض الكلى في المحافظة، بئر مياه تلوث بالنفط في شبوة، حلم أخضرـ تصوير /عمار نميش كما سجلت في مركز الأورام السرطانية بشبوة 296 حالة إصابة بالسرطان خلال العام 2020، مقارنة بوجود 120 حالة إصابة فقط في العام 2019″. “لقد تضاعف العدد بشكل مضاعف، وبمقدورنا القول إن النسبة بلغت 100%؛ لكن الأمر يحتاج لدارسات أكثر لمعرفة ما إذا كانت هذه التأثيرات الصحية المباشرة في تلك المناطق بسبب التلوث النفطي”. قال مجور. ناقلة صافر: كارثة كبرى وشيكة على الضفة الأخرى، شمال الساحل الغربي في البحر الأحمر، تبدو اليمن عرضة لتهديد أكبر، من ناقلة النفط صافر، المهجورة قبالة سواحل رأس عيسى بمحافظة الحديدة منذ 6 سنوات، وعلى متنها 1,148 مليون برميل من النفط الخام. في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، توقفت المراجل البخارية في الناقلة صافر، عن إنتاج الغاز الخامل للحماية، وارتفعت خطورة المواد المتبخرة من النفط الخام بنسب عالية جداً. وفقاً لتحليل المخاطر، الذي أعده خبراء Riskware، فإن الأمر قد يزيد من احتمالية ناقلة صافر حدوث انفجار، جراء اشتعال الغازات المتراكمة في صهاريج التخزين، وقد يؤدي احتراق النفط في التسبب بمستويات عالية من تلوث الهواء. تلوث الهواء سيصيب 6.2 مليون شخص في حال حدوث كارثة تلوث على سواحل اليمن من ناقلة النفط صافر، سيؤدي ذلك إلى خلق أزمة جديدة كبرى، داخل الأزمة الإنسانية التي تصفها وكالات الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم. تشير التقديرات بحسب تحليل Riskware، إلى أن تلوث الهواء الناتج عن احتراق أو تبخر النفط الخام من ناقلة صافر، قد يؤثر على حوالي 6.2 مليون شخص في اليمن. يمكن القول إن السكان المحليين سيصبحون عرضة لصدمات صحية غير متوقعة، في ظل انهيار 50% من المرافق الطبية التي دمرتها الحرب في اليمن. وسيحتاج ملايين من المتضررين إلى رعاية صحية طارئة وطويلة الأجل، كما أن أعداد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي الذين سيحتاجون للعلاج سيطغون على نظام صحي متهالك، يعاني بالفعل من جائحة وباء COVID-19. كما أن حوالي 40% من الأراضي الزراعية في اليمن (500 كيلومتر مربع) ستكون مغطاة النفط يغمر وادي تموره، حلم أخضر- تصوير/ عمار نميش بالسخام، جراء تلوث الهواء في حال وقوع الكارثة. يقول الدكتور عبد الغني جغمان، الخبير والاستشاري البيئي لدى شركة أولتارا للاستشارات: “سيحدث تلوث للهواء سواء احترق الزيت أو لم يحترق. وفي حال احترق النفط، ستكون كارثة، وإذا لم يحترق سوف تتطاير وتتشتت منه مواد خفيفة. لن يكون الضرر على الشواطئ فقط، ولكن أيضاً في السواحل والسهول الساحلية والمرتفعات الجبلية المطلة عليه”. أمراض خطرة على السكان يؤدي إحراق النفط الخام إلى حجب أشعة الشمس والتقليل من التيارات الهوائية والرطوبة في الهواء، ولعل ذلك يؤثر بدرجة كبيرة على النشاط الميكروبي والحيواني والنباتي بشكل عام. وفي حال حدوث احتراق للنفط من ناقلة صافر، فإن الدخان الكثيف للنفط المحروق سيحمل مواداً هيدروكربونية أروماتية خطرة، لها تأثيرات صحية فادحة للغاية. تشير مصادر متعددة، إلى أن هذه المركبات السامة تؤدي إلى التسبب في الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض الجهاز التنفسي، والالتهابات الرئوية الحادة، وسرطانات الرئة والجلد، والولادات المبكرة والعيوب الخلقية عند الأجنة وحديثي الولادة، وتضعف المناعة. تأثيرات صحية على النوع الاجتماعي الدكتورة إشراق السباعي، الوكيل المساعد لوزارة الصحة العامة، والمتحدث الرسمي لـ “اللجنة الوطنية العليا للطوارئ ومواجهة كوفيد-19” بمحافظة عدن، ترى أن ثمة تأثيرات يتسبب بها التلوث على النوع الاجتماعي في محافظة شبوة كحالة راهنة؛ كونها تتعرض لانسكابات نفطية متكررة منذ عقدين ماضيين. عملت الدكتورة إشراق، طيلة الـ 18 سنة ماضية، كطبيبة أمراض النساء والولادة في محافظة شبوة، وخلال فترة عملها، لاحظت أن أكثر الحالات المرضية التي كانت تصلها هي: التشوهات الخلقية والولادات المبكرة، وأمراض السرطان، على حد قولها. وفي مقابلة خاصة، قالت الدكتورة إشراق لـ “حلم أخضر”: “قمنا بدراسة بحثية، ونحن محمد حبتور احد سكان وادي غرير- تصوير حلم أخضر على وشك تقديمها لمركز المرأة بجامعة عدن، وقد توصلنا إلى أن مناطق الدراسة، أصيبت بالكثير من أمراض التشوهات الخلقية والولادات المبكرة، والكثير من أمراض العقم، ولاحظنا مدى تأثيراتها على النوع الاجتماعي”. وأضافت: “لاحظنا في مناطق الدراسة، تأثير التلوث على جسم الإنسان، هناك من أصيبوا بسرطان الجلد وأمراض البرص. ونطالب الجهات المعنية بإصلاح الوضع، وخصوصاً في المناطق القريبة من حقول النفط، وعلى الشركات النفطية القيام بواجبها للحفاظ على البيئة، واستخدام الأساليب الحديثة عند استخراج النفط، والقيام بالتوعية للمجتمع المتضرر”. “لا سمح الله، في حال تعرضت ناقلة صافر للانفجار، سيتسبب الاحتراق الشديد للنفط بانبعاث الغازات وتصاعد سحب الدخان، وسوف تكون مشكلة كبرى من الأمطار الحامضية، التي ستؤثر بشكل مباشر على تلويث البيئة والمحاصيل الزراعية، وعلى صحة الإنسان”. قالت السباعي. تأثيرات أخرى ترتبط بالاستهلاك بحسب الخبراء، تتأثر صحة السكان في المجتمعات الساحلية، ومعها الأحياء البحرية، التي تصبح عرضة للتهديد جراء حوادث التلوث البحري بالنفط الخام، الناتج عن نفايات السفن أو التسربات من ناقلات النفط. في هذا السياق، يحذر الدكتور هشام ناجي، أستاذ البيئة الساحلية بجامعة صنعاء، من هذه التأثيرات عند تسرب النفط في البحر، وظهور بقع زيتية ونفطية على سطح الماء، والتي تتسبب بمشكلة كبيرة ذات تداعيات بيئية وصحية. يقول الدكتور هشام لـ “حلم أخضر”: “في حال حدوث ذلك، فإن البقع النفطية هذه ستبدأ بالذوبان وتختلط في الماء، مكونة مستحلباً نفطياً. هذا المستحلب النفطي يسبب عملية اختناق كونه يعمل تغطية الكائنات البحرية ومنعها من التنفس، وبالتالي اختناقها، ستحمل الأسماك والأحياء البحرية بداخلها عدد كبير من العناصر الثقيلة والعناصر السامة”. وأضاف أستاذ البيئة الساحلية: “هذه العناصر السامة عندما تتراكم داخل أجسام الكائنات البحرية الحية ممكن تؤدي إلى تلوثها أو تدميرها، وأيضاً البشر الذين يتغذون على هذه الكائنات؛ الأسماك والأحياء البحرية ستحدث لهم تلوثاً أو تسمماً في أجسامهم عند تناولها”. تدمير نسيج التربة الزراعية يرى الدكتور عبد الوهاب السنباني، أستاذ اللافقاريات المشارك في جامعة ذمار، أن أبرز التأثيرات الصحية للتلوث بالنفط الخام في اليابسة هي إتلاف المحاصيل الزراعية. ولعل ذلك يبدو واضحاً اليوم، كما هو الحال الراهن في محافظة شبوة. ويؤكد الدكتور السنباني أن “الخطورة تكمن في تدمير نسيج التربة وقتل الأحياء المجهرية كالنيتروموناس والنايتروباكتر، اللتين تساهمان في تثبيت النيتروجين الجوي الهام في نمو وتكاثر العديد من النباتات خاصة التي تحتاج لتكوين البروتين بجسمها كالبقوليات”. وأضاف السنباني لـ “حلم أخضر”: “بالنسبة للتلوث المائي بالنفط (البحار والمياه العذبة) فإنه يعمل على تدمير الكائنات الحية ضمن نطاق المساحة الملوثة، سواء كانت هذه الكائنات أسماك أو كائنات حية طافية أو قشريات أو أحياء مثبتة للأوكسجين كالدياتومات والطحالب الخضراء، ويصل التلوث من مسافة سطح البحر حتى عمق 200 متر تحت الماء”. “يلحق النفط المتسرب الضرر أيضاً بالطيور التي تتغذى على الأسماك، كما تعمل جزئيات النفط المترسبة على تخريب الشعاب المرجانية وإحداث خلل في النوع الحيوي؛ وهذا كله ينعكس ضرره على الإنسان بشكل مباشر، كونه المستهلك العام للكائنات البحرية”. قال السنباني. كارثة صافر قد تصل لسواحل شبوة يبلغ طول الشريط الساحلي لليمن أكثر من 2,500 كيلومتر. وهو يمتد من البحر الأحمر حتى خليج عدن وصولاً للبحر العربي. تشير الاحتمالات، إلى أن تأثير انسكاب أو احتراق النفط الخام من خزان صافر، قد يمتد بسبب ظروف التيارات المائية والرياح والتشتت، وسيصل لأطراف المدن اليمنية المطلة على الساحل الغربي وخليج عدن والبحر العربي. يتفق مدير هيئة البيئة بشبوة، محمد مجور، مع فرضية حدوث ذلك، ويؤكد لـ “حلم أخضر” أن “سواحل شبوة من السواحل المتميزة بوجود الشعب المرجانية، وتنوع حيوي بالثروة السمكية، وفي حال وقوع التلوث البحري من ناقلة صافر سيؤدي ذلك إلى كارثة كبيرة في شبوة”. ويقول مجور: “إذا حدث انفجار أو تسرب نفطي من ناقلة النفط صافر، ستتعرض سواحل محافظة شبوة لكارثة بيئية نظراً لوجود محميات بيئية كمحمية بير علي، التي تضم 5 جزر، وستتعرض الشعب المرجانية للتلف وكذلك الأسماك. سيؤدي ذلك إلى كارثة لن تحتملها محافظة شبوة”. في حال وقوع كارثة جراء اشتعال الغاز من صهاريج التخزين في ناقلة صافر، قد تصل الغازات السامة نحو المدن والمناطق السكنية الشمالية الغربية والجنوبية على امتداد الساحل اليمني. ستظل تأثيراتها المزمنة طويلة الأمد على المدى البعيد، وليس أقل من ذلك. المصادر والمراجع: – د. عبدالغني جغمان، د. عبدالمنعم حبتور، دراسة “التلوث البيئي النفطي وآثاره المدمرة على البيئة في اليمن”، شركة أولتارا Ultare Consulting للاستشارات، بوخارست رومانيا، 2020. – عماد مكي، “انبعاثات صناعة تكرير النفط ومصادرها وطرق معالجتها”، (النفط والتعاون العربي) المجلد الرابع والأربعون- العدد 164- 2018. – “ناقلة صافر: تقييم المخاطر والأثر”، شركة Riskaware، بريطانيا، نوفمبر 2020. – التقرير الوطني السادس للتنوع البيولوجي في اليمن، الهيئة العامة لحماية البيئة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، مارس