الشرعية تطالب بالتعديل.. وغريفيت يتمسك بخطته للسلام وتلويح بتمريرها عبر مجلس الامن
كشفت مصادر سياسية يمنية عن تسلم الرئيس عبدربه منصور هادي المسودة الأخيرة من مبادرة وقف إطلاق النار الشامل في اليمن التي أعدها المبعوث الأممي مارتن غريفيث.
وقالت المصادر إن الرئاسة اليمنية تعكف على وضع ملاحظات جديدة على “الإعلان المشترك” في نسخته الرابعة، التي سلم المبعوث الأممي نسخة منها للحوثيين خلال لقاء مع وفدهم التفاوضي في مسقط الاثنين الماضي، في جولة جديدة من التحركات الأممية التي بدأها غريفيث بزيارة العاصمة السعودية الرياض.
وتراجع المكتب الإعلامي للمبعوث الأممي عن الرد على أسئلة مراسل “العرب” بشأن نشاط غريفيث والقضايا المثارة حول انحيازه إلى الحوثيين التي تتردد في الأوساط اليمنية ومؤشر التقدم في جهوده الخاصة بالتسويق لمبادرته التي تحمل عنوان “الإعلان المشترك”.
ووعد المكتب الإعلامي للمبعوث الدولي في رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى مراسل “العرب” بالرد على الأسئلة، دون أن يفي بوعده ودون أن يبرر عدم إيفائه بالوعد.
وتشير مصادر سياسية يمنية إلى أن مبادرة غريفيث، التي تعتبر مزيجا من نتائج مشاورات الكويت ومبادرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، مقدمة لإلغاء المرجعيات السابقة، وخلق أرضية جديدة للتسوية في اليمن تهيئ لعقد جولة جديدة من المشاورات بين الحكومة اليمنية والحوثيين خلال نوفمبر الجاري في سويسرا.
وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” تمسك المبعوث الدولي بعدم إجراء أي تعديل إضافي على مبادرته الموسومة بـ”الإعلان المشترك” في نسختها الرابعة.
وهو ما تطالب به “الشرعية” بشكل حثيث ويلوّح به الحوثيون من أجل انتزاع المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية.
ويمارس الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ضغوطا متزايدة على الحكومة اليمنية للقبول بالنسخة الأخيرة من “الإعلان المشترك” التي تقدم بها غريفيث، والتلويح بتمرير المبادرة عبر مجلس الأمن الدولي في حال تعثر التوافق عليها من خلال لقاء جديد بين الحكومة والحوثيين.
وتنص مسودة الإعلان المشترك، التي تقدم بها غريفيث مطلع يوليو الماضي وانفردت “العرب” بالكشف عن تفاصيلها آنذاك، على وقف شامل لإطلاق النار في كافة أرجاء اليمن، بما في ذلك الجبهات التي تنخرط فيها جهات غير تابعة للحكومة في مواجهات مع الحوثيين.
ويشمل وقف إطلاق النار كافة العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، في إشارة إلى عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية التي تتضمن المسودة جزئية منها تتعلق بوقف هجمات الحوثي التي تستهدف أراضيها.
وتتشكل لجنة تنسيق عسكري برئاسة الأمم المتحدة ومشاركة ممثلين عسكريين من طرفي الاتفاق لتتولى مراقبة وقف إطلاق النار وتُقدِّم التوجه الإستراتيجي العام إلى مركز العمليات المشتركة واللجان المحلية في المحافظات، كما يتبع اللجنة مركز للعمليات يضم ضباط ارتباط عن الأطراف وممثلين عن الأمم المتحدة، شبيه بلجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة.
وبموجب مسودة الإعلان المشترك التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى الحكومة اليمنية والحوثيين يتم اتخاذ إجراءات مشتركة في الجانب الإنساني والاقتصادي من خلال لجان تشكل من الطرفين، للتعامل مع جائحة فايروس كورونا وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفيا، وهو الأمر الذي تعثّر تنفيذه في وقت سابق بموجب اتفاقات ستوكهولم التي تم التوقيع عليها برعاية أممية أواخر عام 2018.
وتشرف لجنة التنسيق العسكري، وفقا للإعلان المقترح من غريفيث، على فتح الطرق الرئيسية بين المدن، كما تضم المسودة بندا خاصا بالتدابير الاقتصادية مثل صرف رواتب موظفي القطاع العام بموجب قوائم الرواتب في عام 2014 قبل الانقلاب الحوثي والبدء بصرفها عن طريق لجنة فنية مشتركة من الجانبين.
ويشتمل الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لمعالجة الجوانب الفنية والمالية لإصلاح أنبوب النفط القادم من مأرب إلى ميناء رأس عيسى في الحديدة بهدف استئناف ضخ النفط وكذلك استئناف عمل محطة مأرب الغازية، وهو ما يعني وفقا لمراقبين إشراك الجماعة الحوثية في كافة موارد الدولة المتواجدة خارج نطاق سيطرتها، الأمر الذي يفسر حالة الضغط العسكري الحوثي المتزايد على محافظة مأرب والتلويح باجتياحها.
واتهمت الحكومة اليمنية عبر وزارة الخارجية بعض الدول التي لم تسمها بمحاولة فرض إملاءات على الحكومة اليمنية، وقال وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي في تغريدة على تويتر “نقدر حرص الأصدقاء والشركاء الدوليين على تحقيق السلام في اليمن، ونؤكد حرصنا عليه وعلى إنجاح جهود المبعوث الأممي؛ غير أننا نرفض أي إملاءات توجه إلينا مهما كانت، فنحن أحرص على شعبنا وعلى التخفيف من معاناته”.
الدفع نحو مشاورات جديدة
وجاء موقف الحكومة اليمنية ردا على تغريدة نشرها السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون في حسابه على تويتر قال فيها “يجب على الرئيس هادي وقيادة الحوثيين العمل بجدية و(بصورة) عاجلة مع المبعوث الدولي لإنهاء الحرب في اليمن من خلال إبرام الإعلان المشترك من أجل تجنب كارثة إنسانية. الشعب اليمني الذي طالت معاناته لا يستحق أقل من ذلك”.
وتؤكد قيادات بارزة في “الشرعية” رفضها لخطة غريفيث في نسختها الحالية التي تصفها بأنها شبيهة من حيث الظروف المحيطة بها باتفاق السلم والشراكة الموقع بين الأحزاب اليمنية والحوثيين برعاية المبعوث الأممي الأسبق جمال بنعمر عشية اجتياح الحوثيين لصنعاء.
وفي هذا السياق يصف وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية نجيب غلاب الإعلان المشترك بأنه آخر جهود المبعوث الأممي الذي يتبع في طريق بحثه عن السلام تقنيات الأمم المتحدة التي لا تصل عادة إلى حل وإنما “تشرعن لاستدامة الصراعات في الملفات المعقدة كالملف اليمني بعد أن أصبحت الحوثية تفرض كامل شروطها من خلال هذا الإعلان وتسعى إلى تجاوز المرجعيات ووضع مطالبها وأهدافها كهدف مركزي”.
وقال غلاب، في تصريح لـ”العرب”، “لنفترض أننا قبلنا بالإعلان كما يسوقه المبعوث وتضغط دول لقبوله، هل سنصل إلى السلام المطلوب الذي يقودنا إلى دولة المواطنة ويؤسس لأمن واستقرار يحمي اليمنيين ويجعل اليمن جغرافيا آمنة مع الجوار ومكتملة مع الأمن والسلم الدوليين، بينما كافة المؤشرات تؤكد أننا أمام أزمة مركبة نتيجة مساعي الأمم المتحدة التي تشرعن التمرد والفوضى وتخدم أجندات عمياء ضد الدولة اليمنية؟”.
وتبدي أطراف يمنية أخرى في الشرعية اهتماما متزايدا بالإعلان المشترك في حال التوقيع عليه قبل تنفيذ بنود “اتفاق الرياض” وتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة، حيث تمثل خطة غريفيث اتفاقا ثنائيا مغلقا بين “الشرعية” والحوثي يخرج الانتقالي من المعادلة اليمنية باعتباره ليس طرفا في المشاورات النهائية، وهو ما تعده تلك الأطراف بمثابة فرصة سانحة للتحرر من أعباء واستحقاقات اتفاق الرياض المتعثر الذي تضع بنوده الانتقالي شريكا أساسيا في منظومة “الشرعية” المعترف بها دوليا.
ويؤكد مراقبون يمنيون أن بروز تيار يرغب في الهروب من استحقاقات اتفاق الرياض إلى التوقيع على الإعلان المشترك تكرار لمشهد توقيع اتفاق السويد، الذي اعتبرته مكونات يمنية حينها محاولة لوقف استكمال سيطرة قوات طارق على الساحل وقطع الطريق على جناح ابن الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المؤتمر الذي كان الانتصار في الحديدة سيدخله طرفا جديدا في معادلة “الشرعية” على حساب قوى سياسية تقليدية تسيطر على قرار “الشرعية” ومؤسساتها بشكل منفرد.
وفيما تتعرض الحكومة اليمنية لضغوط متزايدة عبرت عنها تصريحات مسؤولين أوروبيين، تشير المعطيات إلى إمكانية ذهاب “الشرعية” في نهاية المطاف إلى عقد اتفاق شبيه بما حصل في ستوكهولم، في حال تصاعدت الضغوط وبلغت مرحلة التلويح بفرض عقوبات دولية عبر مجلس الأمن حيال المعرقلين، كما تشير مصادر سياسية لـ”العرب”.
وتشير التفاعلات المتسارعة في الملف اليمني إلى رهان المجتمع الدولي والأمم المتحدة على إنهاء الخلاف بين المكونات المناهضة للحوثي، قبل الذهاب إلى جولة جديدة من المشاورات التي يسعى من خلالها المبعوث الأممي لليمن إلى استثمار النجاح الجزئي الذي تحقق في لقاء سويسرا حول ملف الأسرى.
وشهد معسكر “الشرعية” العديد من التفاعلات المتسارعة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة بناء على اتفاق الرياض، حيث التقى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الأحد، برئيس الحكومة المكلف معين عبدالملك، ورئيس وهيئة مجلس النواب، إضافة إلى لقاء ضم هيئة المستشارين.
وتأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه إيران إلى قطف ثمار دعمها للميليشيات الحوثية منذ بداية الحرب من خلال إرسال حاكم عسكري ترجح مصادر أن تواجده المعلن في صنعاء وهيمنته على القرار السياسي للحوثيين سيحولان دون التوقيع على أي اتفاق للحل الشامل في اليمن لا تكون إيران ومصالحها حاضريْن فيه.
وأشارت المصادر إلى أن اغتيال وزير الشباب في حكومة الحوثي ورئيس حزب الحق، حسن زيد، قد يكون رسالة إيرانية ترافقت مع وصول الضابط الإيراني في الحرس الثوري حسن ايرلو إلى صنعاء بوصفه سفيرا، مفادها أن أي طرف يمني في معسكر الانقلاب الحوثي سيعرض مصالح طهران الإستراتيجية للخطر ويقدم المصلحة الوطنية عليها سيكون هدفا مشروعا، وخصوصا أن زيد اتهم طهران في أكتوبر 2019 بتغليب مصالحها على مصالح حلفائها في اليمن وانتقد رغبتها في تحويلهم إلى أداة صراع طويلة مع السعودية وفي عرقلة أي تسوية.