مرارة الحرب تبدد مذاق العسل اليمني
نال العسل اليمني شهرةً واسعة تجاوزت حدود الجغرافيا المتنوعة التضاريس التي منحت مكوناته، إذ يتمتع بجودة عالية وقيمة غذائية وفوائد علاجية توّجته في المركز الأول على مستوى العالم، بحسب تصنيفات منظمات الأغذية. جودة وتميز ويُعد العسل اليمني من أجود أنواع العسل في العالم نظراً إلى توافر عوامل عدة من بينها التنوع الجغرافي الفريد الذي يمتاز به اليمن، واختلاف التضاريس كالجبال والوديان الخضراء والصحاري والهضاب، وهو ما منح البلاد تنوعاً نباتياً في الأشجار والزهور التي يقصدها النحل لامتصاص رحيقها قبل طرح العسل. عوائق الحرب ونتيجةً للحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات تأثرت عملية إنتاج العسل في اليمن بعوامل الحرب، كما هي حال القطاعات الإنتاجية الأخرى، فتراجعت بشكل كبير. ومن تلك العوامل السلبية، ما يتعلق بالنقل والتصدير وقطع الطرقات والانهيار الاقتصادي، فشكلت عوائق أمام تطور أحد أهم المصادر الاقتصادية للقطاعات المنتجة. أسعار العرض والطلب وفي بيحان التي اشتهرت بإنتاج أجود أنواع العسل، قال أحد العاملين في هذا المجال حسين معشوق، إن تكاليف نفقات تربية ورعي النحل والتنقل وتدهور العملة وصعوبة الطرق ووعورتها جراء الحرب، عوامل رفعت من سعره محلياً، ما أسهم في انخفاض كمية إنتاجه بدرجة كبيرة تصل إلى نحو 40 في المئة في ظل ازدياد الطلب عليه خارجياً. وأوضح معشوق أن "سعر كيلو العسل الواحد ارتفع من 30 ألفاً في السابق، إلى 40 ألف ريال، ما يعادل نحو 60 دولاراً، ما يؤشر إلى ارتفاع الطلب عليه عالمياً". من الغذاء إلى الدواء وبعد أن ساءت الأوضاع الاقتصادية وانهارت العملة المحلية، بات الطلب المحلي على العسل اليمني منخفضاً مقارنةً بالسابق، واكتفى منتجوه بتصديره وتحديداً إلى السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، ما ساهم في رفع سعره، ليكتفي السكان المحليون باستخدامه غالباً لأغراض دوائية، بعدما كانت كل بيوت اليمن تقريباً تحرص على شراء العسل موسمياً وبكميات كافية، فلا تخلو منه المائدة اليمنية. ولا توجد أي إحصاءات رسمية محددة حول إنتاج العسل في اليمن، أو نسبة توضح تراجع الإنتاج في هذا القطاع. وكما جرت العادة، يتنقل مربو النحل من منطقة إلى أخرى بحسب مواسم الإنتاج بحثاً عن النباتات المزهرة، ذات الجودة العالية. عسل السدر... جودة عابرة للحدود ويُعد نوع عسل السدر "الملكي" الأفضل عالمياً، إذ تنتجه النحلة عقب امتصاصها رحيق أزهار نبتة السدر التي تنمو بكثرة في الأراضي البرية والصحراوية في المحافظات الشرقية اليمنية، بخاصة محافظتي شبوة وحضرموت. وبحسب معشوق فإن عسل السدر الملكي أو كما يسمونه في اليمن "العلب" يُعد أفضل أنواع العسل على الإطلاق بسبب جودته الغذائية العالية ومذاقه اللذيذ وقدرته على معالجة أمراض عدة، من بينها أمراض الكبد والمعدة والضعف العام والهزال والقضاء على الالتهابات والأورام والخلايا السرطانية والربو والضعف الجنسي والجروح وتضميد وترميم الحروق بشكل كبير، وغيرها من الفوائد المشهود لها في اليمن والتي لا يتسع المجال لذكرها". ويضيف أن "هذا النوع من العسل غني جداً بقيمته الغذائية، وتناوله لا يرفع نسبة السكر في الدم إذا أُكل من قبل المصابين بداء السكري". ويوضح أن "هذا العسل يُعرف بقوامه الكثيف ومذاقه اللذيذ الذي لا يُمل بعكس أنواع العسل الأخرى، كما يمكن حفظه لوقت طويل جداً، إلا أنه منتج نادر وباهظ الثمن، ويتزايد الطلب عليه في دول الإقليم والعالم". السُمر ثانياً من جهة أخرى، يصنّف معشوق عسل "السُمر" المستخرج من زهور أشجار السُمر الشوكية المنتشرة بكثافة في مناطق بيحان وحريب وحضرموت وبعض المناطق الجبلية في صنعاء وإب، في المرتبة الثانية. ويوضح أن "هذا النوع يمتاز بمذاقه الحاد اللاهب ولونه الأحمر المائل إلى السواد، وهو مفيد لعلاج الأطفال وأمراض البرد وفقر الدم وأمراض الكبد والملاريا والتيفوئيد والسكري وغيرها". انخفاض التصدير وقال تاجر العسل ناصر بن ناصر أحمد، إن "الحرب ساهمت في شكل مباشر في خفض كميات إنتاج العسل نظراً إلى العوامل المعروفة". وأوضح أنهم كانوا في السنوات الماضية يصدرون "نحو 100 دبة سعة 5 ليترات من عسل السدر الملكي إلى دول الجوار، لكن الأمر اختلف اليوم وبالكاد يصدرون من 50 إلى 60 دبة، وهو تراجع مؤثر على مَن يعمل في هذا المجال ويعتمد عليه في مهنته والتزاماته أمام إيجارات المحلات وأجور العمال". مستقبل واعد وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه إنتاج العسل في اليمن حالياً، إلا أن العامل في هذا المجال معشوق أبدى تفاؤلاً بمستقبل هذا القطاع المهم. وقال إنه "على الرغم من الصعوبات اليوم، إلا أن أعداد النحل في بيحان ومحافظة شبوة، ازدادت أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه. وأضحت بيحان من أغنى المناطق اليمنية بالنحل". وأضاف "قُدّرت خلايا النحل الثابتة والوافدة من محافظات أخرى إلى بيحان خلال الموسم الحالي، بأكثر من 55 ألف خلية نحل، ما يعني ارتفاع إنتاجية هذه الخلايا لتُقدَر بنحو 48 طناً من عسل السدر ذي الجودة العالية، أما الأصناف الأخرى مثل عسل "السمر" و "المراعي" (نسبة إلى مجموع الأشجار الأخرى التي ترعى فيها النحل) فقد تزيد على هذا الرقم بقليل". إندبندنت عربية