عن علاقة عدن بموسكو
في حديث متلفز لكبير متشاري رئيس الإتحاد السوفيتي برجنيف ما بين ١٩٦٤م-١٩٨٢م قال لم يكن الجنوبيون في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مجرد أتباع للإتحاد السوفيتي انذاك، بل كانوا أصحاب قرار لا نقدر على إثنائه ليس لأننا لا نريد، بل لأننا لا نستطيع ذلك. وفي حديث آخر لسفير موسكو في اليمن قال الرجل إن الجنوب كان مركز الثقل الروسي في المنطقة العربية، وبالذات بعد رحيل جمال عبد الناصر وسيطرة السادات على الحكم في مصر وما تخلل تلك المرحلة من عودة الإخوان من المنافي تحت رعاية أمريكية قادها وزير خارجيتها هنري كسنجر، وذلك أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين. الشاهد هنا أن الجنوب كدولة كان الأكثر نجاحا في علاقته الخارجية مع الكبار ونتحدث عن روسيا كواحدة من اقطاب النظام العالمي، وتستطيع أن تعيد الجنوب إلى مقعده السابق في الأمم المتحدة. زيارة وفد المجلس الإنتقالي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي تحيي تلك العلاقة القديمة والقوية، وبمعطيات الواقع الذي أصبح فيه الجنوب صاحب ثروات وموارد اقتصادية هائلة، عوضا عن كونه الرقم الصعب في المعادلة العسكرية والسياسية، وكما عادت روسيا أكثر قوة وصلابة بعد زوال آثار ونتائج الحرب الباردة، كذلك عاد الجنوب بنفس القوة والصلابة بعد زوال آثار ونتائج حرب ١٩٩٤م. هذه المعطيات المحلية تتواكب مع معطيات عربية ودولية خرجت فيها روسيا من التصنيف كدولة كافرة، تهدد الإسلام ومقدساته، بعد أن تكشفت خيوط اللعبة بين الامريكان والإخوان، وما أسفر عن ذلك من نشوء داعش والقاعدة كجماعة تعد الأكثر خطرا على الإسلام والمسلمين. اليوم لم تعد روسيا البعبع الذي خوف فيه الامريكان العرب، واستخدموهم لمحاربته في افغانستان، كما أن العرب أنفسهم قد تحرروا من الهيمنة الأمريكية بعد ترجيح كفة النظام العالمي بروسيا والصين. هذه المعطيات التي تحوّل فيه الإخوان المسلمون من مدافعي عن الإسلام إلى أكبر مهدد للإسلام، دفعت عددا من الدول العربية إلى وضعهم في قوائم الإرهاب غير المسموح لهم بمزاولة أي نشاط سياسي، وهي المعطيات التي شجعت روسيا على إحياء علاقتها مع الدول العربية التي تحمل ذات التوجه. وبما أن المجلس الإنتقالي الجنوبي يعد شريكا اساسيا في محاربة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، كان محل احترام وتقدير كل الدول التي يهمها الأمر ذاته، وتجلى ذلك من خلال دعوة رسمية وجهتها روسيا للإنتقالي الجنوبي لزيارة موسكو. الرئيس عيدروس الزبيدي وفور وصوله موسكو قال إن الزيارة جاءت بناء على دعوة رسمية من موسكو سيتباحث خلالها مع وزارة الخارجية ومجلس الدواما، ويتطلع أن تكون نتائجها إيجابية وموفقة، وأضاف أنهم يسيرون في طريق آمن لإستعادة الدولة، ومع هذا الاقتضاب إلا أن كلامه يحمل دلالات كببرة على أن الربان يعرف تمام المعرفة طريقه إلى بر الأمان، ويبحر بكل ثقة صوب الهدف.