لهذا كسبَ الجنوبيون المعركة في الجنوب وخسرها غيرهم بالشمال؟
ليست مشكلة التحالف بالشمال متعلقة فقط بصلابة الحوثيين بل برخاوة شركائهم بالسلطة المسماة بالشرعية، ولا فشل هذا التحالف سببه قوة الحوثيين العسكرية بل بضعف - أو بالتظاهر وبأدعاء الضعف ،- وبخذلان وعدم قناعة هذه الشرعية المزعومة ، فلو كان السلاح والعتاد هو السِـر وصانع الانتصارات لما صمد الحوثيون ليلة واحدة أمام ترسانة السلاح والعتاد التي بيد الشرعية المتخمة بشتى صنوف الأسلحة والعتاد والدعم المالي والإعلامي والمادي والسياسي الهائل. ولا انتصار الجنوبيين في بداية هذه الحرب نتاج فقط دعم التحالف لهم أو بسبب كثرة عددهم، فأعداد مقاتلي الطرف الآخر لا يحصى ولا يُــعد مقابل قلة الطرف الجنوبي، بل نتاج وجود قضية موجودة منذ سنوات يتحشد خلفها معظم الجماهير بالجنوب. ولا هزيمة الشرعية بالشمال بسبب دعم إيران للحوثيين وإلّا فالدعم الذي تتلقاه هذه الشرعية من التحالف ومن معظم دول الإقليم والعالم كان كافيا أن تبلغ ساحة (آزادي) بوسط طهران، -على افتراض أن هناك مجال للمقارنة بين الدعم الإيراني للحوثيين ودعم التحالف للشرعية -. كما أن ليس تفوق الحوثيون على الشرعية سببه امتلاكهم قوات نظامية وحرس جمهوري، ولا لافتقار الشرعية الى هذه النوعية من الوحدات العسكرية النظامية، وإلّا لكان الجنوبيون الذين لا يملكون كتيبة عسكرية نظامية واحدة بحربهم ضد الحوثيين وقوات صالح بداية هذه الحرب قد أصبحوا في خبر كان منذ الأسابيع الأولى من هذه الحرب. هذا لا يعني أن الشرعية وحزب الإصلاح لا يملك قاعدة جماهيرية بالشمال، فهناك مئات الآلاف وربما الملايين المؤيدة له، ولكنها لا تؤمن أبدأ بعدالة الحرب التي تخوضها قادته،- أو بالأحرى التي تدعي قيادته أنها تخوضها-، فالأغلبية الساحقة من هذه الجماهير ترى أن الخلاف مع الحوثيون لا يستحق حرب شاملة وإلا لكانت قيادات الحزب قاتلت الحوثيون فور صولهم صنعاء ولم تؤثر السلام وتعلن على رؤوس الاشهار : (لن ننجر)، كون الخلاف معهم أي الحوثيين يتمحور حول سُــلطة أنتزعها منهم الحوثيون يمكن استعادتها بالسلم وتسوية الأمر بالحوار والتفاهمات، كما درجت العادلة بشمال اليمن منذ عقود بإنهاء الصراعات بالتسوية والتقاسم. إذن الأمر لا يتعلق بالمقام الأول بالدعم الخارجي ولا بالسلاح الناري بل بعدالة ما تحارب من أجله، وبعزيمة وإيمان ما تؤمن به وتدافع عنه وتحارب من نُــصرته، وإلّا لما تمكن الجنوبيون بداية هذه الحرب من الانتصار على قوات الحوثيين وقوات صالح مجتمعة، وفشل الشرعية اليوم بهزيمة الحوثيين منفردين. مع ضرورة الإشارة أن الدعم الذي تتلقاه هذه المسماة بالشرعية لا يقارن مطلقا بالفتات الذي قدمه هذا التحالف للجنوبيين مطلع هذه الحرب. يقال أن مَن لا يستطيع أن يكسب الحرب، لا يستطيع أن يحقق السلام. فهذه هي الحقيقة التي يخشاها التحالف في حال مضت الضغوطات الدولية باتجاه طاولة التسوية السياسية، فالقوى التي ظفرت بالنصر العسكري وباتَ لها حضورا على الأرض وبين الجماهير هي من بمقدورها أن تحقق السلام والاستقرار لسبب بسيط وهو أن أي التزام تتعهد به على طاولة التسوية السياسية أمام الداخل والخارج بوسعها أن تفي به وتنفذه على الواقع، بعكس القوى الافتراضية (المنفوخة ) التي سينكشف حجمها وثقلها الحقيقين على الأرض من أول اختبار. فالتحالف متورط مع هذا النوع الأخير، وسيظل عالقا بمكانه إن ظل يتجاهل القوى الحقيقة على الارض بالجنوب وبالشمال ويتعامل معها لو على مضض أن أراد فعلا الخروج من هذه التوريطة وأراد ضمان مصالحه واستقرار دوله.