أبونا الوطن وأمّنا الوحدة الوطنية
نحن في بلادنا من أكثر الدول استخداماً لمصطلح «الوحدة الوطنية»، وربما كان لظروف الحروب والنكبات التي تداولت على هذه البلاد وشهدتها المنطقة منذ رحيل المستعمر البريطاني في نهاية عام 1967م وما نجم عنها من استحقاقات دور أساسي في ذلك، وحيث أن الأصل أننا موحدون في بلادنا أثناء حكم الاستعمار، وأن لا فضل لمواطن جنوبي على مواطن جنوبي آخر إلا بقدر انتمائه وعطائه للوطن، فإن مصطلح «الجبهة الداخلية» قد يكون هذا الأفضل ربما عندما نجد أنفسنا بحاجة إلى الإشارة الصريحة إلى المواطنة الحقيقية الاجتماعية لشعبنا الجنوبي الواحد في مواجهة أعداء وأعباء الحياة وتطورات الظروف وما قد يشهده الإقليم والمنطقة من تطورات. لقد نضجت مسيرة شعبنا إلى الحد الذي بات يلفظ فيه من بين صفوفه كل مكتسب من وراء اللعب على حبال الجبهة الداخلية، ولم يعد هكذا حال يبعث على ارتياح أو استحسان إلا لدى الجهلة، ربما فالأصل أننا جميعاً مواطنون جنوبيون جسد بالممارسة العملية والسلوك الإنساني المجرد حقيقة أننا شعب موحد لا يحق لأحد فيه أن ينحاز لطرف ضد آخر أو ينتصر لفئة على حساب أخرى إلا إذا كان يعتقد أن من السهل الانتفاع أو الارتزاق المسموم من هكذا سلوك مشين! نحن إذن أمام حالة يمكن الاستدلال عليها بالجبهة الداخلية وليس الوحدة الوطنية لأن عكس الوحدة يعني الانقسام، وليس بيننا من يقبل ولو مجرد التفكير بشيء من ذلك «لا قدر الله»، ولأن الحديث عن الجبهة الداخلية يعني تلاحم الناس في وطنها وخلف قيادتها ووفق مسيرتها مثلما هو تعبير حي عن مضمون الجبهة بما يحويه من معاني التماسك والقوة والوحدة والاستعداد الفطري لمواجهة التحديات والدفاع عن الوطن، أي أن الكلمة ذات مدلول وطني أقرب إلى الروح العسكرية المجردة عن أية حسابات خاصة أو مناطقية أو فئوية ولجهة الحسابات العامة أو الشامل، وحسب وفق هكذا مفهوم نأمل من دوائر التوجيه والسياسية والإعلامية والتربية النظر في مصطلح الجبهة الداخلية عوضاً عن مصطلح الوحدة الوطنية، فالتغيير سنة الحياة، وهو أمر مطلوب ومحبب، وتماسك الجبهة الداخلية وقوتها خلف المسيرة الوطنية والجهات المسؤولة الحكيمة ثابت يحقق شروط الوحدة الوطنية ليس كمصطلح فقط؛ وإنما كممارسة حقيقية على أرض الواقع، وذلك خلافاً لسائر الحسابات والمفاهيم التي أفرزها الاستخدام المفرط لهذا المصطلح بين صفوفنا خاصة وأن استخدامه وبكثرة قد يؤشر خطأ وبغير وجه حق أو صواب على خلل ما في نسيجنا «لا قدر الله». هذا الوطن اليمن شماله وجنوبه وشعبه وأمنه وموروثه الحضاري ومكتسباته الوطنية كل ذلك ملك لأبنائه من شتى المنابت والأصول حق ثابت يتساوى فيه كل من ارتضى وطناً ملاذاً للعدل والمساواة والعيش الكريم، وبهذا المعنى الجليل تقلع سفينتنا إلى بر الأمان، وكل من يمد يده منا عن جهل أو سوء نية ليحدث خرقاً فيها سيغرقنا - لا سمح الله - ويغرق نفسه معنا سواءً كان هذا الخرق بهمسة في السر أو صرخة في العلانية. في الأخير: إن أي إنجاز إصلاحي يحدث في نطاقنا الوطني سينعكس على جهودنا المبذولة وسيعزز لحمتنا الوطنية القائمة على الثقة والمحبة المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد، أما غير ذلك من التأويلات فتوجب علينا أن نلقي بها وراء ظهورنا، فلا نعود نذكرها على ألسنتنا إلا بعد أن يستقر الحال المطلوب نصاً وروحاً وليكن مفهوماً أن الوطن هو أبونا والوحدة الوطنية أمّنا.