البراءة والذئاب.

شبوة اليوم/شبوة

إن معظم الدول العربية مجتمعات تعيش على الأمل، ذلك الأمل المبني على الأجيال القادمة، الأجيال التي تتشكّل الآن في مهدها وبين جدران بيوتها، أطفالنا هم الحاضر والمستقبل، وعلينا كمجتمع أن نُهيّئ لهم السبيل لينهضوا بنا من براثن الماضي.  إن أهم المراحل التي يمر بها الإنسان هي مرحلة الطفولة، لأنها مرحلة مصيرية في تشكيل شخصيته، كيانه وتحديد طبيعة سلوكه في مراحل لاحقة من حياته. في حين أن منظمات حقوق الإنسان تركز جهودها لحماية الطفولة وتدعم اتفاقيات دولية لتحقيق هذا الهدف، فتدعو إلى ضرورة توفير الرعاية الكاملة للطفل وحقه في النمو الصحي والنفسي السليم، نرى اليوم كثرة حوادث وأعداد هائلة من القضايا المتعلقة بالتحرش الجنسي واغتصاب الأطفال تطفو على السطح في عدد من الدول العربية. مسرح جريمة واحد في أماكن متفرقة والضحية طفل! اهتز الشارع الجنوبي، على واقع جريمة بشعة، راحت ضحيتها طفلة في ربيعها الثالث عشر، تدعى “مها”، عُثر على جثتها في منزل المغتصب بعد أن قام اغتصابها و قتلها بأبشع أساليب القتل، وهي الجريمة التي أثارت جدلاً كبيرًا ورفع مطالب بتطبيق القصاص! بين التبليغ والتستر… إحصائيات لا تعكس الواقع! يتعرض الأطفال إناثًا أو ذكورًا على السواء إلى كافة أشكال الاستغلال الجنسي، فبالنسبة للإناث يكون بسبب وضعهم المهمش نسبيًا داخل المجتمعات، أما بالنسبة للذكور فإن الأمر يكون وسيلة للترويع خاصة في ظل النزاعات العسكرية، كما أن البعد الثقافي والمجتمعي الذي ينشأ عليه الطفل ويرثه يمنعه من التحدث عما أصابه، خصوصًا تنشئة الأطفال الذكورعلى أنهم لا يحتاجون لحماية، فتعرضهم لسلوك كهذا ينقص من ذواتهم فيختارون الصمت الذي يُضعف قدرتهم على النجاة. اغتصاب الأطفال خلف الأبواب المغلقة هناك العديد من العوامل و والأسباب التي تزيد من احتمال تعرض الأطفال إلى الاعتداء الجنسي، فالأطفال الذين نشأوا دون عائلات في دور الأيتام أكثر عرضة لمثل هذه الاعتداءات بسبب عدم توفر الحماية والدعم من مجتمعاتهم، وكذلك الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة الجسدية والذهنية الذين يكونون غير مُدركين تمامًا لما يتعرضون له. وهذا لا ينفي مُطلقًا أن الأطفال الذين ينشؤون في رعاية أسرهم غير معرضين لخطر الاستغلال، فقد يكونون من المهمشين من قبل أسرهم والمعرضين لضغوطات أو إهمال عاطفي أو نفسي يجعل منهم ضحيّة سهل الوصول إليها. يتعرض الأطفال من هذه الفئات للاعتداءات الجنسية من قبل الغرباء والأقرباء، فقد يكون شخصًا غريبًا بالنسبة للطفل، وقد يكون من الأشخاص المعروفين أو المقربين للطفل الضحية، حيث يتم التعامل مع الموضوع كأنه جزء من طيش الشباب وإثبات ‘الفحولة’ ويتم التغاضي عنه في معظم الحالات. وهنا لا ننكر دور العائلة والمجتمع في تفشي هذه الظاهرة، بسبب مساهمتهم لثقافة الهيمنة الذكورية وثقافة العيب والكبت، حيث أن أغلب العائلات لا تُناقش مع أبنائها أمور الثقافة الجنسية، وتتجاهل الأمراض النفسية لدى أبنائها حيث تتركهم على سجيتهم ولا يتم الانتباه لخطورتهم على سلامة المحيطين إلا بعد وقوع الجريمة! وتشير الدراسات أن 9 من بين 10 من الفتيات المراهقات (من 28 بلدًا) اللاتي أبلغن عن إجبارهن على الجِماع القسريّ أنه وقع على يد شخصٍ قريب أو معروفٍ لهُنّ. هناك بعض الدول العربية التي كشفت عن بعض الإحصائيات الخاصة بالتحرش الجنسي بالطفل داخل إطار العائلة مع العلم أن ما يتم الإبلاغ عنه للسلطات المختصة لا يتجاوز نسبة ضئيلة مقارنة بالحالات الحقيقية نتيجة لحالة السرية والتكتم الذي يحاط بهذا النوع من الاعتداءات. فما زالت نسبة الاعتداءات الجنسية على الطفل غير محصورة بإحصاء حقيقي وشامل، وإن الرقم المعلن عنه يخص الحالات المعلن والمصرح بها فقط، ولا تشمل حالات الاعتداءات التي يتستر عليها أهالي الأطفال الضحايا! الجريمة النكراء لا تحتاج لمبررات! إن الاعتداء على الطفل بأي شكل كان بات مشكلة تُثير القلق والخوف على مستوى العالم، وبالتالي إن أول خطوات حل المشكلة هي التعرف عليها وعلى الظروف المصاحبة لها، لذلك وجب تسليط الضوء على الظروف التي تعتبر نقطة الانطلاق الأولى لعلاج منتظم خاصة بالنسبة للأطفال الأكثر قابلية للتعرض للاستغلال والعنف الجنسي. إن مجتمعنا يعيش في عقده الأخيرة حالة تشرذم ونزاعات أثرت على مستوى المعيشة ونشرت حالة من عدم الاستقرار والأمان، والفوضى وبالنظر للنزاعات في السنوات الأخيرة أدى لتفشي ظاهرة اغتصاب الأطفال وانشغال السلطات بالسيطرة دفعهم بعيدًا عن إعطاء الأولوية لمثل هذه الأمور. وهنا لا يجب إغفال الصلة بين الفقر وعمالة الأطفال وتعرضهم للاعتداءات، حيث يضطر الطفل الصغير لمواجه الفقر في أزقة الشوارع التي تجعل منه فريسة سهلة وعرضة لتكرار الاعتداءات، وتباعًا لا نهمل محفزًا رئيسيًا في تفاقم هذه الظاهرة وهو تفشي البطالة التي تستحوذ على قدرات الشباب وهذا يساهم في توجيههم لمَلْئ فراغهم بالإدمان وخاصة تناول الأقراص المهلوسة التي تُذهب عن المرء جادة صوابه، مما يشكل سببًا مباشرًا في تفشي اضطرابات وأمراض نفسية لدى بعض الأشخاص، ما يؤدي إلى تفاقم النزعة العدوانية لديهم وبالتالي تفريغها بأي شيء يقع تحت ناظرهم! إن تعرض الطفل لهذه الجريمة لا يقتصر على صحته الجسدية والنفسية فقط، فمن المرجح أن يتحول الضحية عبر الزمن إلى مجرم، يتبنى تصرفات عدوانية انتقامية بسبب ما عانى منه. وللأسف إن احتمالات شفاء الطفل من آثار الاعتداء الجنسي قد تكون ضئيلة، إلا إذا وجد بيئة داعمة ومساندة مباشرة من عائلته، ومتابعة مع مُعالج نفسي متخصص. #القصاص_من_قاتل_الطفلة_مها