لماذا تعجلت يا عبد ربه؟؟!!
خبرٌ فاجعٌ ذلك الذي تداولته المواقع الصحفية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في عدن والجنوب، والذي ينبئ بوفاة الأخ العميد الدكتور عبد ربه محمد عمر قائد عمليات أمن محافظة عدن نتيجة لتعرضه لإصابة مفاجئة في الجهاز الهضمي أدت إلى وفاته برغم كل محاولات الأطباء إنقاذه، لكن إرادة الله كانت الأسبق والأقوى والأقدر، وله الحمد على السراء والضراء. كان الخبر صادماً بالنسبة لي شخصيا لأنني منذ أقل من أسبوع كنت أتحدث إليه عبر الهاتف وكان يبدو من خطابه وكل أحاديثه أنه بخير بل لقد كان مرحا ومبتهجاً كعادته دائما، وكانت مفاجأة اليوم الصادمة خارج أي توقع. في العام 1978 كان عبد ربه محمد عمر ضمن المئات طالبا في السنة الثالثة إعدادي في إعدادية رُصُد وكنت قد كُلِّفت بإدارة هذه المدرسة، وبدأ حينها تعرفي عليه رغم المعرفة السابقة بأسرته وأخيه الفقيد زين الذي كان أحد نشطاء العمل الجماهيري والحزبي في منطقة ظَبِهْ. وبعد إكمال الإعدادية انتقل عبد ربه للدراسة الثانوية ثم الكلية العسكرية وتخرج منها برتبة ملازم ثاني، وحينها كانت تلك الرتبة تعادل رتبة العقيد هذه الأيام مع فارق الهيبة والمكانة والاستقامة والإخلاص التي يبديها ملازمو تلك الأيام مقارنة مع آلاف العقداء اليمنيين هذه الأيام. بعد إنهائه الكلية العسكرية وتخرجه بامتياز انتقل الفقيد للعمل في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتنقل في العديد من الوحدات والألوية المختلفة كما حصل على العديد من الدورات التأهيلية والترقيات تنقصني الكثير من تفاصيلها نظرا لانشغالي بالدراسة الأكاديمية في الخارج، حتى العام 1994م حينما جرى ما يشبه الاجتثاث للجيش الجنوبي ضمن عملية تدميرية واسعة شملت عشرات بل ومئات الآلاف من الضباط والجنود والموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين الجنوبيين، وكان عبد ربه ممن شمتلهم هذه العملية. بنهاية التسعيات تولى الفقيد مهمة في أمن عدن ، ثم بعد العام 2012 تولى مهمة أركان أمن عدن ومؤخرا كُلِّفَ بمهمة ركن العمليات المشتركة لأمن العاصمة عدن. كثيرا ما كنت أتلقى شكاوي من أهالي المعتقلين أو المحتجزين ظلما في عدن وكنت لا ألوذ إلا بعبدربه، فقد كنا متعودين على الابتعاد عن التخاطب الرسمي وكنت أناديه: "يا عبدربه!" لكنه كان دوما يخاطبني بعبارة: ـ أمرك يا أستاذ، ـ أنا تلميذك أأمرني، وغير ذلك من العبارات التي تنم عن مستوى من التعامل الراقي، والتمسك بموروث الاحترام الذي تمتد جذوره إلى زمن "المعلم والتلميذ" منذ ما قبل أربعة عقود، والذي أكاد أكون قد نسيته، . . . كان الفقيد يتعامل معي هكذا رغم انقضاء ذلك الزمن الطويل، ورغم حصوله على المستويات العلمية والمهنية والشهادات الأكاديمية وتبوئه مواقع قيادية مختلفة طوال تلك السنوات الطويلة. واليوم وأنا أتلقى خبر وفاته شعرت بأن القدر يحاصرنا ويصر على إبقائنا في أجواء الحزن وهرعت أتصل بكل من اعتقدت أن لديه معلومات عن أسباب الوفاة، فلم أجد الجواب الشافي حتى رد علي الدكتور عبد الخالق صلاح بن سعادين، ليفيدني من خلال رسالة عبر تطبيق ووتسأبب، بأن الفقيد تفاجأ بآلام في أسفل الجانب الأيمن من البطن، وسرعان ما تم نقله إلى مستشفى الصلاحي ثم إلى المستشفى الألماني وهناك أجري له عدد من الإجراءات التشخيصية كتخطيط القلب وأشعة مقطعية وقد وجد أن لديه حالةً كامنة في البطن لم يشعر بها لكنها كانت قد استفحلت وعجز الأطباء عن إنقاذه وكانت إرادة الله التي لا راد لها هي النافذة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. رحمك الله يا عبدربه وغفر لك وأسكنك فسيح جناته وألهمنا وكل أهلك وذويك وجميع رفاقك ومحبيك وزملائك ورؤسائك ومرؤوسيك الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.