حزمة حلول علمية لنجاح السياسة المالية في اليمن (3-2)

شبوة اليوم /العاصمة عدن

امتدادًا لمقاله العلمي السابق الذي استعرض خلاله الفرص والحلول الممكنة لاستيعاب كل متغيرات وأبعاد نجاح السياسة المالية في اليمن والمتمثلة أولًا في الفرص والحلول الممكنة لتحسين السياسة المالية، وتعزيز الموارد غير النفطية، وإعادة هيكلة الإنفاق العام، يتناول الدكتور/علي ناصر سليمان الزامكي، أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن في مقاله العلمي الحالي تعزيز التعاون الدولي، وكذا إصلاح القطاع النفطي كمحاور أساسية لنجاح السياسة المالية في اليمن. *تعزيز التعاون الدولي* حيث أشار أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، يمثل التعاون الدولي أداة حيوية لدعم جهود الحكومة في إدارة سياستها المالية، ويوفر التعاون مع المجتمع الدولي فرصًا للحصول على المساعدات المالية، وبناء القدرات المؤسسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد بما يحقق التنمية المستدامة. *أبعاد التعاون الدولي في إدارة السياسة المالية* وعن أبعاد هذا التعاون كشف الدكتور/ الزامكي إن التعاون الدولي أداة مهمة جداً لدعم الجهود الحكومية من خلال إما تلقي منح ومساعدات مالية مباشرة من الدول المانحة أو المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتخصيصها لدعم الميزانية العامة وتمويل العجز، أو من خلال الحصول على قروض بفوائد منخفضة وفترات سداد طويلة لدعم مشاريع البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، أو لتحسين كفاءة المؤسسات المسؤولة عن الإدارة المالية العامة، وتقديم برامج تدريبية للكوادر المحلية في مجالات إعداد الموازنات باستخدام آليات شفافة، وإدارة الدين العام، وتحليل المخاطر المالية، وكذا اعتماد أنظمة إلكترونية حديثة لتسهيل جمع الإيرادات ومراقبة النفقات. كما إن من أبعاد التعاون الدولي في إدارة السياسة المالية دعم برامج الإغاثة الإنسانية والتنمية؛ بالتنسيق مع المنظمات الدولية مثل برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) لدعم الفئات الأكثر ضعفًا، وتوجيه الدعم لتأمين الغذاء، المياه، والصحة في المناطق الأكثر تضررًا، وأيضًا تمويل مشاريع تنموية طويلة الأمد مثل بناء المدارس والمستشفيات وشبكات الطرق، بالتركيز على القطاعات التي تخلق فرص عمل وتحفز النمو الاقتصادي. وأيضًا العمل على إعادة هيكلة الدين العام بالتفاوض مع الدائنين الدوليين لإعادة جدولة الديون أو تقليل أعباء الفوائد، مما يمنح اليمن فرصة لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، والاستفادة من مبادرات تخفيف عبء الديون مثل “مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون” (HIPC)، فضلًا عن تعزيز التجارة والاستثمار الدولي، والدخول في شراكات تجارية تتيح تصدير المنتجات اليمنية إلى الأسواق العالمية بشروط ميسرة، بما يسهم في جذب استثمارات أجنبية لتحفيز القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة، الصناعات التحويلية، والطاقة المتجددة، وتقديم ضمانات استثمارية بالتعاون مع مؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية (IFC). *استراتيجيات تعزيز التعاون الدولي* مؤكدًا على ضرورة إعداد استراتيجية وطنية للتعاون الدولي، للأولويات الاقتصادية والمالية، بحيث تكون مرجعًا للتعاون مع الشركاء الدوليين، يوضح من خلالها الاحتياجات التمويلية وتحديد المشاريع ذات الأولوية التي تحتاج إلى دعم دولي، والالتزام بالشفافية والمساءلة في إدارة المساعدات، بما يسهم في تحسين العلاقات مع المانحين والمؤسسات الدولية وتعزيز الثقة معهم بإنشاء هيئة وطنية لإدارة وتنسيق المساعدات الدولية، لضمان توزيع الموارد بكفاءة وفعالية، ومراقبة استخدامها لضمان تحقيق الأهداف المحددة، بتقديم تقارير دورية مفصلة عنها، والعمل أيضًا على تقوية الشراكات الإقليمية والدولية بتعزيز التعاون مع الدول المجاورة، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي. *التحديات المرتبطة بتعزيز التعاون الدولي* كما بين أن الصراع المستمر يمثل عائقًا أمام جذب الاستثمارات وتفعيل الاتفاقيات الدولية، ونقص الكوادر المؤهلة لإدارة التعاون الدولي وتنفيذ المشاريع، فضلًا عن الفساد المالي والإداري الذي يؤثر سلبًا على ثقة الشركاء الدوليين ويضعف فعالية استخدام المساعدات، وأيضًا الانقسام الجغرافي والإداري ووجود سلطات متعددة يجعل من الصعب تنسيق التعاون الدولي بشكل موحد. *نماذج ناجحة يمكن الاستفادة منها* وكشف الزامكي عن عديد من النماذج الناجحة التي يمكن الاستفادة منها، كالتجربة الأردنية التي استخدمت المساعدات الدولية لتعزيز الاستقرار المالي ودعم اللاجئين، مع الالتزام بشفافية إدارة هذه المساعدات، واستفادت رواندا من التعاون الدولي لإعادة بناء مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب الأهلية، كما جذبت إثيوبيا استثمارات دولية كبيرة في قطاع البنية التحتية من خلال شراكات مع الصين والبنك الدولي. *توصيات لتعزيز التعاون الدولي في اليمن* وأكد إن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني أولوية لجذب الشراكات الدولية، والعمل على تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال إصلاح القوانين وتحسين البنية التحتية، وإطلاق منصات حوار مع الدول المانحة لتحديد أولويات الدعم والتنسيق بشأن المساعدات، وتعزيز الحوكمة المالية لضمان الشفافية واستخدام المساعدات بشكل فعّال. إصلاح القطاع النفطي في اليمن ضرورة استراتيجية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإن القطاع النفطي يمثل أحد أهم مصادر الإيرادات العامة في اليمن، حيث كان يساهم بنسبة كبيرة في تمويل الميزانية العامة وتوفير العملة الصعبة، ومع ذلك تعرض هذا القطاع لتحديات هائلة بسبب النزاع المستمر، وتراجع الإنتاج، والبنية التحتية المتدهورة، وإن إصلاح هذا القطاع واستئناف العمل فيه يُعد ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز التنمية، وزيادة الإيرادات العامة، وتقليل الاعتماد على طباعة العملة أو القروض، والمساهمة في توفير العملة الصعبة، مما يساعد في استقرار سعر الصرف وتمويل الواردات، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وكذا تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي، من حلال التوزيع لعادل للإيرادات النفطية مما يسهم في تقليل التوترات السياسية وتعزيز التماسك الوطني. *المشاكل الرئيسية التي تواجه القطاع النفطي* وعن أبرز المشاكل التي تواجه هذا القطاع أوضح الدكتور/ علي ناصر الزامكي إن انخفاض الإنتاج من حوالي 400 ألف برميل يوميًا في 2014 إلى مستويات منخفضة جدًا بسبب النزاع، وتدهور البنية التحتية، بسبب تضرر المنشآت النفطية، الأنابيب، ومحطات التصدير جراء الحرب والافتقار إلى الصيانة، وأيضًا الفساد وسوء الإدارة، بعقود مشبوهة، وإيرادات غير شفافة، وضعف الرقابة على العمليات النفطية، وتردد الشركات الدولية في الاستثمار بسبب الوضع الأمني والسياسي غير المستقر، هي أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع، فضلًا عن التحديات البيئية المتمثلة بتسربات نفطية متكررة تؤثر على البيئة البحرية والبرية وصحة السكان، وأيضًا النزاع على السيطرة على الحقول النفطية بين الأطراف المختلفة يعيق استغلال الموارد بكفاءة. *خطوات إصلاح القطاع النفطي* واستعرض في مقاله العلمي خطوات لإصلاح هذا القطاع أبرزها استعادة الإنتاج وزيادته بوضع آلية واضحة لتأمين المنشآت بالتعاون مع جميع الأطراف المحلية، وإنشاء وحدات أمنية مستقلة غير مرتبطة بالصراع لحماية الحقول، وإصلاح خطوط الأنابيب، المصافي، ومحطات التصدير المتضررة، والعمل على تحديث التكنولوجيا المستخدمة لزيادة الكفاءة، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وتعزيز الاستثمار المحلي والدولي بتقديم ضمانات قانونية وأمنية للشركات الأجنبية والمحلية، وتخفيض الضرائب على الاستثمارات في هذا القطاع، وأيضًا عقد شراكات مع شركات دولية كبرى لإعادة تأهيل الحقول النفطية واستكشاف حقول جديدة، وتطوير الكوادر البشرية من خلال التدريب على أحدث التقنيات في مجال استخراج النفط وإدارته، وتخصيص نسبة من الإيرادات النفطية في صندوق سيادي لضمان استدامة العوائد، وفق اُطر قانونية منظمة تتوافق مع المعايير الدولية. *التحديات التي قد تواجه الإصلاح في هذا القطاع* وكشف عديد من التحديات التي قد تواجه الإصلاح في هذا القطاع تتمثل في استمرار الصراع السياسي والعسكري يعيق الوصول إلى الحقول النفطية وتشغيل المنشآت، ونقص الكوادر المؤهلة والبنية المؤسسية لإدارة القطاع بفعالية، وكذا الخلافات على تقاسم الإيرادات النفطية بين الحكومة المركزية والمحافظات المنتجة، وعدم وجود بيئة استثمارية جاذبة، مما يجعل المستثمرين يترددون في دخول السوق. *توصيات لتعزيز إصلاح القطاع النفطي* داعياً إلى إطلاق حوار وطني للتوصل إلى توافق بشأن آلية إدارة القطاع النفطي وتقاسم الإيرادات، وإعداد استراتيجية طويلة المدى لإصلاحه تشمل الأبعاد الإنتاجية، البيئية، والتنموية، والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني كشرط أساسي لإعادة تشغيله، والعمل على إنشاء صناعات تحويلية مثل البتروكيماويات لزيادة القيمة المضافة للإنتاج النفطي الذي يمثل فرصة استراتيجية لإنعاش الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار المالي، ورغم التحديات الكبيرة، فإن الالتزام برؤية إصلاحية شاملة مدعومة بالتعاون المحلي والدولي يمكن أن يمهد الطريق لتحقيق تنمية مستدامة واستقرار اقتصادي طويل الأمد.